تـــــأمــــلات مـوســـيـقـيــــة، مـــوســـيقــى لكل الحواس.. 1! (لولا الموسيقى لكانت الحياة خطـــــــــــــــأ)

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
01/02/2011 06:00 AM
GMT



في الرياضيات هنـالك قـاعـدة بـسـيطـة ولكنـهـا عـميقــة وهـي مبـــدأ الإثبـات بطـريق النفـــي وهـذه الـقـاعـدة مفيـدة جــداً إذا مـا طبقنـاهـا عـلى المـوســيقى بغية الإطلاع على أثـارهـا ، لكي نتعرف على مـا الــذي سـيحـدث لـو لـم تكـن هـنـالك مـوسـيقـى ! . وقـبـل الـدخـول فـي التفـاصـيل ينبغـي أولاً أن نحـدد مـا هــي المـوسـيـقى ؟ . . ومـا هـي طبيعتـها وخصـائصها ، هـل هـي الغناء الـذي نـسـمعـه ؟ . أم هـي الـقـــواعــد الــتـي تـحـكـمـهـا ، أم هــي أصــوات الطـبـيـعـة مــن حــولـنـا أم ماذا؟! ولــلإجــابـة ، علينـا أولاً أن نحــدد بعـض الحـقـائـق الأســاسـية وهـي أنــه وعـلـى الـرغـم مـن أن الجــميـع يتـفــق عــلـى أهــمـيـة المـوســيقـى ودورهــا فـإنـه مـا مــن تعــريـف يمــكـن أن يــلـــم ويشــمــل الـمـوســيقى، فـغــالـبـيـة الـتـعـاريـف تتـحـدث عن تـأثـير المـوســيقى وليــس المـوســيقـى ذاتهـــا . . وعـلـى أيــة حـال إذا مـا إتفقــنـا وكـمدخل بـســيــط أن التناغم والتجــانــس والإنســجـام هي من مظاهر الموسيقى وحاولنا التعرف على بعض الظـــواهــر المـوســـيـقـيـة المحـيطــة بنـا والتي نحسـها [ وربمـا لا نـدرك أنهـا مـوسـيـقـى ! ] فما الذي سنجد...؟

سنجد أن منـاغـاة الأم لـطـفـلها و دقات القلوب [ وما أعـذبها ! ] موسـيقى ، التـراتيـل الـدينية .. حركة قوى الطبيعة . . تغريد الطيور . . هـديــل الحـمـام . . ونـبرات الكلام التي نستخدم فيها الشـدة واللين والعـلو والخـفـــوت [ وذلـك مـا يشـدد عــلـيـه الإخـتـصــاصـيون في فــن الإلــقـاء من ضـرورة الـتــلــويـــن الـصــوتـي وخـــاصـة بـالـنـســـبـة لــفــن التمـثيل ] .. رنيـن الهـاتـف . . وقـع الخـطــوات ودقــات السـاعـة . . مــوســيـقـى ! ! وإذا ما وسـعـنـا الدائـرة بناءً على المفهوم السـابق يمكـن لـنــا أن نـُضيف إلــى مــا ســبق تـعـاقـب الـفـصـول الأربـعـة [ كمـوسـيقى إيـقـاعـيـة ] ودورات الـطـبـيـعــة [ كــدورة الـمـاء مـثـلاً ] وحــركـة المـجــرات . . كسـوف الشـمـس وخسـوف القـمر . . تعـاقـب اللـيـل والـنـهــار [ وكــلهــا بـإيـقـاعـات ثـابـتــة ومُنتظمة ] . وكمـا أن الـنـشــاز [ فــي المـوسـيقى ] هــو وضـع الـشــيء فـي غـيـر محـلـه فــإن أي تـغـير فـي هـذه الظـــواهـر يـؤدي إلـى [ نشــاز ] ، بشــكـل آخــر ربـمــا يؤدى إلـى كـوارث ! ! . . ويعـلم الأطباء أن دقــات القــلب غــير المنتظـمة هــي دليــل عـلـى وجــود خــلـل جـســمي [ وهــــو حصــول نشاز إيقاعـي مــن وجـهـة النظــر المـوسـيقية ! ! ] . . وهـكـذا نــرى أن بإمكاننا الحـديث عن الموسيقى دون المرور بآله موسيقية أو نغم أو قالب غنائي أو موسيقى [ ذلك سيأتي لاحقا ً. ومـرة أخـرى إذا مـا إسترسلنا مع المفهوم السـابـق وتنـاولنـاه مـن وجـهـة نظـر فلـسفيـة جـماليـة تأمليـة . . لأدركنـا مثـلاً أن أهـم مـا يمـيز الشـعـر هـو مـوسـيقـاه وأن أي تـغيير فـي كلمـة أو ربمـا حـرف أو حـركة يـؤدي إلـى حـدوث نشـاز سـمعي وذوقـي [ نشـاز إيقـاعي ] يـؤدي بالـتالـي إلـى إختـلال المـعنـى . .
 
أهـل تونس مثـلاً يقـولـون فـي المـثل الشـعـبي "طـبيب النفـس مـولاهـا " . . ولـو حـاولنـا أن نعيـد صـياغـة المثل بـأن نـقول " أن مـولـى النفـس هـو طبيبهــا " . . أدركـنا كـم نفقـد مـن الإحسـاس الجـمـالـي فـي الصـيغـة الثـانيـة ، وحـادثـة إبـدال الفنان مـحمـد عـبد الـوهـاب كلـمة [ قـدّامـي ] بكلـمــة [ أمـامـي ] فـي قصيـدة:
جــئـت لا أعــلـم مـن أيـن ولكـــــــــــــنـي أتيــتُ
ولـقـد أبـصـرت [ قــدامـي ] طــريقـاً فمـشــيـتُ
 
والتي أغـضبت الشـاعـر إيليـا أبو ماضي . . مشهورة وذلـك مثـال آخـر عــلـى الـشـِـدة المــوسـيقية [ الضخامـة ] التي تتمتـع بهـا [ قُـدامـي ] عـن الرقـة المتمثلة في [ أمامي ] حـيث تشـبه الأولـى صـوت النحـاسـيات[Brass] فـي الأوركسترا بيـنما تشـبه الثـانية صـوت الخشبيات [Woodwind] عـلى الـرغـم مـن بـلاغـة المـعنى الأول . . وعـلى هـذا النـسق يمـكن أن [ نتـذوق ] مـوسـيقيـاً قـول أمرؤ القـيـس الشـهير فـي وصـف حصـانـه :
مِـكـــرٍ مِـفـــر مُـقـبــــلٍ مـُـــدبــــــــــرٍ معــــاً
كجلمــــود صـخــــرٍ حطـــهُ الســـيلُ مـن عــــل ِ
 
وهـذا الـبيت يشبـه المـوسـيقى العـسكـرية فـي ذروة عـزفـها الـدرامـي، ومثـال آخـر عـلى المـوسـيقى العميقـة الكـائنة بيـن الحـروف والكلمـات يمكـن أن نلمسـها ونُحسهـا ونُدركـها فـي كلمـات إبـن المقنع وهـو يصـف القـلم حيـث يقـول : " يخـدم الإرادة ولا يمـل الإسـتزادة ويمشـي عـلى أرضٍ بيـاضها مظلـم وسـوادهــا مضيء!" ولنحـاول أن نبـدل أو نغـير ونـرى كـم مـن [ نشـاز ] كـتابـي ومعـنـوي سـيُرتكـب . . بالطبـع يمكـننـا الإسـترسـال ولكن الإشــارة تُغنـي عـن العـبارة كمـا يقـال.. وحتى لا أطيل أستميحكم عذرا ً لكي استكمل هذا الموضوع في الرسالة القادمة إنشاء الله تعالى وحتى ذلك الوقت أقترح عليكم أن تستمتعوا بهذه الموسيقى المصاحبة للقصة المصورة للكونسرت الذي قدمته مع أوركسترا [SAKO] السيمفونى فى قاعة (Berlin Konzerthaus) في برلين - ألمانيا.
 
من خلال الرابط التالي: